الموسم3
الحلقة28
غيرَ بعيد تراءت له قبابُ وِجدة، و ارتدّت الريح بأذانٍ
و نفيرِ سيّارات، فنظر تحته فإذا لا ظلّ له، فأرجع البصر في السّماء فإذا الشّمسُ
لو طالت يده لأدركها. أفزعه فَقْدُ الظّلّ فتلمّس وجهه و مؤخّرته و تنهّد، قال:
إنّى على سفر، فإذا صار الظّل ظلّين جمعتُ و قصّرت، و ركز عصاه و مضى.
صعد تلالا و هبط وهادًا و طوى قفارا و لا حيَّ فيها
ينادى و لا رفيق يؤنس، فقنعَ بالتسبيح و يحتسب أجرَه عند شيخه و أحيانا يُدندنُ
شيئا أو يرتجل شعرا:
وحيدٌ بأرض المغربين أسير__سُميّةُ تبكيني كما
مُنْبلِزيرُ
إذا قيلَ في أغمات ألقى رحْلَهُ__فقلبي إلى شيخي
المُفدّى يطيرُ
أذلُّ بني هلالَ صاروا رؤوسا__بأيديهِمُو حلٌّ و عَقْدُ
كَثيرُ
فدانَ له المملوكُ و النّاسُ خلفه__و كلّ عظيمٍ طاعَنَا و كبيرُ
و كان كلما آلمته قدماه جلس يصلح نعليه و يلفّهما بما
يجد من أعشاب و خيوط و أسلاك و يُحكم ربطها ثم يتأمّلها و يقول: تالله إنّ هذه
لشلاكَةٌ يحبّها شيخي، تالله ما خطر مثلها لأحدٍ من العالمين، حريٌّ بها أن تطأ
ثرى الجنان.
لم ينتبه عبسلام إلا و الظّلّ على يساره أعوجُ و النهر
يقطع طريقه و إذا هي أغمات تلوح في الأفق فاتحة ذراعيها لاستقباله بألوانها و
نورها و أنوارها و خضرتها كما لم يتخيّلها أحد.
عجبَ كيف سار كل الطريق في نصف يوم، ثم انتبه فحدّث نفسه أنّ
ما حصل بركةٌ تنزّلت، و ما أصحاب الخطوة إلا أصحاب الحظوة، و ما نحن بمسبوقين.
وقف عبسلام يتأمل القريتين لحظات و قد اغرورقت عيناه، و
عبسلام البكّاء، ثم صاح: أقسم أنّ هذا من كيد النساء! ما هذا الذي يُخرج يوسف ابن
تاشفين من هذه الجنان إلا مكر النساء(1)، و ما ذاك الذي يأتي بابن عبّاد غير الناقصات
العقل و الدين!
و جلس يسترجع و يعتبر حتى أدركه المغيب فقام يبحث عن كِنّ.
ـــــــــــــــ
1 يروى ان تحول عاصمة المرابطين من أغمات إلى مراكش كان تدبيرا من زينب النفزاوية زوجة ابن تاشفين.
Commentaires
Enregistrer un commentaire