Accéder au contenu principal

"هذه القرية تهلك قبل أربعين سنة من باقي القرى" 1


"أمّي سالمة" تنفخ في الأثافيّ حين هجم لصّ. رأت أثر قدميه على الرّمال و تبيّنت أثر ثُعبان زحف إلى خبائها. 
و انكمش الظّل و صدرها انقبض.
لم يكن عندها شيء يُسرق، ولدها الرّضيع نائم و الجمل يجترّ طعامه غير عابئ و بعض متاع تكوّم على حصير و زوجها اغتدى إمّا يطلبُ رزقا أو يطلُبُه ثأر.
الحظّ؟
الحظّ بخت أو زهر، أو معًا.
منذ الفجر سكنت الرّيح و استدار الأفق رصاصيّا، و النّار في مجمرها تصاعد دخانها الأسود مستقيما فغشّى القدر، و لم تعبأ القدر و لا الذّبابات الرّاقصة بين الظلّ و الشّمس.
سنح طائر طويل العُنق و حوّم برهةً ثمّ برح مخلّفا أثرا لامعًا كالسراب. مرّ فارسٌ على سرجٍ بلون الزّهر و العطش، أردى الفارس اللصّ بطلقة و جرّه حيث تغرب الشمس ثمّ جلسَ غير بعيد و لم ينبس و لم يملأ قربته الفارغة.
و انشقّ خلفه الغبار.
جثت "أمي سالمة" حيث يغفو رضيعها و اطمأنّت، لمّا يتسلّل الثعبان إلى هنا و لعلّه مرّ. تحسّست تميمة معلّقة في ثوبه و انحنت تُقبّل جبهته حين دوّت طلقة يتيمة.
عاد الزّوج و لم يفكّر حين لمح الفارس، في الصحراء لا يفكّر الناس، يبادرون فقط، و البقاء فعل لا أماني.
-"احزمي متاعك إنّا راحلون غدا".
همّت أن تخبره عن اللص و الفارس، لكن الكلام هذَرٌ و قطرات ماء تضيع، الريح فقط لا تعطش فلا تخرس.
تلك الليلة تسلل الحنش. برد الصحراء و دفء الخباء و الحظّ. لدغ الثعبان الزّوج ،و جمل و فَرَسان و المتاعُ في أوعيته و الطّائر طويل العنق أشار إلى الشمال.
***
وادي القرى لم ينجُ منه غير ثنيّة أقفرت و قضمتها حقول الزّيتون. المباني و القصور و الحمّامات و السواقي و المعاصر و القناطر و السّواري نُقلت حجارتها و تناسخت فصارت مساجد تفيء إليها الظلال.
منذ ألف سنة و هم يجتمعون إلى القرية الجديدة تَجْمُلُهُمْ بجِمالهم و جَمالهم و قُبحهم و تُزيل عنهم وعثاء الترحال و تُرجّل بالدّهن رؤوسهم و الطّريق، و مفرقها بالقِباب و أطرافها بالآبار.
طوّقوا الفتنة بالأبراج و المراصد فتسوّرت بالأشواك، قصفوا الحجارة بالمدافع فضربت حجابا من طين، رفعوا المآذن فرفعت السناجق، منعوا عنها الكتب فاتّبعت الطّرق. ضرب السلطان طبول نصره في الساحة ألف مرّة فرقصوا على قرعها ساخرين، نصب المشانق للقصاص فجفّفوا المستنقعات، أثقل الضرائب فإُسْقِطَ في الحُسبان.
ألفت "أمّي سالمة" نفسها عند تخوم القرية و الليل يرخي جناحه فدقّت أوتاد الخباء على عجل. مصابيح تضيء هنا و هناك و نيران تتوقّد و نجوم تلمع و ثغاء و رغاء و نباح يتّصل و يتقطّع و غدا يكون التدبير.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...