خيام البدو متناثرة خلال تلك السّهوب، و الكلأ سديم. و
الجِمالُ الرّاغية سئمت التّرحال و المسالك النّائية و الصّمتَ حين تقفو أثرها عساكر
المحَلّة أو تفكّ أحمالَها جندرمة الفرنسيس.
شغَفُ العيش رَزيّة، و القَطْرُ... عفَّتِ الغيومُ
أروقةَ الصّحراء فعمَّمَتْ الذُّرى، و الذّاريات لها سَفْعٌ كوخز الذَرّ
تُسـنْفَرُ في القيعان العَفْراء.
بَعْضُ الخيام تَمَتْرَستْ بجُدرانٍ من حَجرٍ و زرب،
أعياهم الطريق فخلدوا حيث أزهر في أرواحهم الكَلل. يوما سيُثمرُ أزقّةً و قُرى.
بِضعُ نخْلات تجمّعت أسفلَ تلّةٍ جرداء. الطائر الزّهريُّ
طويل العنق مرّ من هنا و لم يكِنْ -حدستْ "أمي سالمة". نهرت الدواب تستحثّها و غذّت الخطى، لا مقام
هنا.
الطّريق آمن، قُطّاع الطرق و الصّعاليك ضيّقَ عليهم
الجنود الذين يرطنون مُنهكين من سياط الشّمس و الغبار و الهزيمة. ظلّت هذه البراري
و الوديان و الرّبى و الجبال مَهدُهم و رزقهم و لحدُهم و ذكراهم في الذّاكرين،
فوحّدوا بنادقهم إلى صدر الأجنبيّ و تحصّنوا بالشّعاب و شعف الجبال.
الصّبيّ على ظهرها إن صحا أو في عديلَتَه يُهدهدُه تمايل
الناقة، هو أنيسها و ذكراها و لا غربة مع لغْوَى صبيّ.
انتصبت الشمس. أرخت زمامَا الفرسين و تفقّدت الزّاد.
لم يبقَ شيء.
تمرتان و كسرة خُبز.
قطّعت بعضَ خِلْفَاتٍ من الطّابية(1) للناقة و جلست حين بكى
الصّبيّ. وضعت بين شفتيه تمرة يمصّ حلاوتها و قضمت خبزا بتمرة تحت خرّوبةٍ وارفة
أظلّت الطّريق، و ثَمَّ غَفَتْ.
بسقت نخلة من فناء منزل و أطلعت و فوق النخلة غرّد الطائر
الزّهريّ في وكره.
انتبهت و الشمس تقرصها و أشرفت باسمةً على الوادي.
سالت مع السّهل حتى فاض بها و شعرت بالأمان.
Commentaires
Enregistrer un commentaire