ميشلان
عم الهادي ينتقل الآن ليجلس في الخارج على
"ديسك" عجلة جرّار صدئة و تحتها قرْضةً مثلومة شُدّا إلى بعضهما بشيء من
التلّ و فوقها جلدُ خروف يملأ تماما تجويف الديسك العلوي فتكون على قياس عم الهادي
تماما.
و غير بعيد في البطحاء التي التهمها الطريق،
ينحني سي يونس يُزَهّرُ الكانونَ بقطعة كردونة بعد أن بلل الفحمات بما وجد من بقية ڨاز بفرشاة الدهن من صفيحة ألقيت فيها
عجلات صغيرة صدئة.
مرّ الحاج محمّد على حماره المصري
دون أن يسلّم، و يبدو من حمولة الشواري أنه يتجه إلى السانية و ليس إلى الهنشير.
تنخّم عم الهادي و أرسلها كقذيفة
مدفع مُدوّية لتقع على بعد ثانية زمنية من حافر الحمار على الاسفلت المغبر فبقيت
هناك ملفوفة كشرنقة، بعد قليل حين يعبر عم الهادي إلى الظل سينحني ليُبَربِشها
بعود، من يدري، ربما كانت لُقْطة!
أما الحاج محمد فتظاهر كأنّ شيئا
لم يكن، و لم يمنع ذلك عم الهادي من سرد حادثة عرس الحاج محمد و كيف بعد أن دخل
على عروسه تسلل إلى الحقل حيث ترك رسلة الغنم دون رقيب و بقيَ يترصّد السرّاق و
كاد يردي أحدهم ببندقية الصيد... "يقطع جهدو ملاّ جيفة". و في تلك
الأثناء مرّ وحش الفلاه، فألقى التحية بيده دون أن يتوقّف و قد بدت عليه العَجَلة
كالعادة، و الجميع يعلم أنه ذاهب لمقابلة المعتمد، و سنعود إلى قصته مع المعتمدية
مرة أخرى.
هذه التفاصيل المهمة لا تنسينا
ميشلان، فهو لا يخلد إلى النوم إلا بعد أن يتفقّد والدته محبوبة العجوز النصف
مقعدة و يلبّى كل حاجياتها بيده، فهو لم يتزوج بعد و هو أيضا -و الحقّ يقال أبرّ الناس
بوالديه، و لن يتزوّج حتى تشير عليه أمه ببنت الحلال التي ترضاها.
رغم الليلة الحمراء الصاخبة رفقة الأصحاب
فإنّ ميشلان يُطير الثملة عن رأسه و تصحو كل حواسه ما أن يؤدي واجبه الصباحي تجاه والديه.
و هو الآن نائم و سيصحو كالعادة عندما
يوقظه أبوه بعد صلاة العصر.
تتسع الحلقة الآن و تتركز الأنظار
على البرّاد، و يدور الكأس، و هو في الحقيقة كأس "طرابلسي" واحد، مثلوم و
قد صُبغ بالأسود القاني، و لا يمكن توفير "الجافال" هنا، فالقرية لم تتمدّن
بعد، و ليس هذا إشكالا لنخوض فيه.
الإشكال الحقيقي الذي يتصدى له عم
الهادي هو إجبار المتطفلين على دفع "الباڨة"، "كالقراد"، يقول
عم الهادي، ثم يُنشد:"و العبد الخرشي كي تعملّو م العسل سبّالة".
و كردّة فعل، صرخ "الفشّ"
بأعلى صوته مناديا "البعرة" ولد عبد الله العكروت و أعطاه 120 مليم ثمن "ثلث
و مية" و شدد على إرجاع الباقي.
هذه أمور تمسّ العرض و الشرف و لا
يمكن التغاضي عنها.
Commentaires
Enregistrer un commentaire