ميشلان
4 في الظلّ المقابل تأخذ الحلقة
طابعا رسميا بوجود بعض الكراسي و الصناديق الخشبية و حضور بعض الموظفين المتقاعدين
و أحيانا ينضم بعض المحدّثين و القصّاص الملمّين بأخبار الغابرين و الأنساب و
الشعر و بعض القرويين و البدو الوافدين يوم السوق من أقاصي الناحية.
أذكر المرحوم ابراهيم المحواشي و
قد جاء من العاصمة يتتبع أخبارا عن بعض الألعاب التي تقام في الأعراس و المواسم و
يده تضغط على آلة التسجيل كلما تذكّر أحدهم شيئا يُدلي به، كان التحرّي يومها عن كُرةٍ
من قماشٍ تُضرب بعصا معقوفة الرأس، و إذ أكتبُ هذا فإن المشهد كأنّما ينبعثُ من
خلفِ الضباب.
تحامل عم الهادي على نفسه و دبَّ
على عصاه عابرًا الطريق، و عند الحافّة انحنى مُقوّسا ظهره حتى بلغت يده اليمنى قطعة
تلّ، و إذْ يرفعها فليُبربِشَ بها شيئا بدا له بدا لمعانه متواريا خلف شرنقة من
غبار، ربما لأول وهلة ظنّ أنها شيء نفيسٌ، غيرَ أنّ الحظّ لا يُكرر وقوعه دائما،
فانبرى ينفض حصاةً كأنما علقت ببلغته الباهتة يواري بها خيبة المسعى و تجشُّمَ
الانحناء.
لم تعبرْ سيّارَة الطريق، و لم
يكلّف عم الهادي نفسه عناء التأكّد و اكتفى بزحزحة خطواته على الأسفلت.
حين بلغ عم الهادي طرف المجلس تفسّح
سيدي علي تاركا مكانا لخاله –عم الهادي، و بانحناءة سريعة مال يُلقي نظرة على البرّاد.
حين جلس و انتبهت بعض حواسّه التي
لم تتغلغل فيها الشيخوخة كان كأس التاي الأسود بين يديه بارقةً انحناءاته و كاشفة تموّجات
النور اللزجةِ إذْ ترتدّ نحو أعماقِ ما بدا أنّه ثُقبٌ أسودٌ يتنفّسُ بخارا منهوك البياض.
كان الحديثُ عن الزّيتون و الصّابة
التي تداعت أخبارها مع القادمين من بَرّ صفاقس حين سألَ أحدهم عمّ الهادي عن "ميشلان".
قال عم الهادي: لقد تسوّقَ منذ الفجر
إلى صفاقس.
حتى و إن دارى الجميع ابتساماتهم فلن
يؤثّر ذلك في شيء، كان العجوز مشغولا بضمان مستقبل ابنه، عملٌ و زوجة صالحة و الكثير
من الأبناء يحيطهم به و يُجلسهم في حجره ثم يعطي كلا منهم 100 مليم ليشتروا بها حلوى.
Commentaires
Enregistrer un commentaire