ميشلان
5- مع انتصاف النهار إلا قليلا ينحسر
الظلّ و تنتصب الشمس تماما، و ينفضّ المجلس.
الشمسُ الآن كرصاصٍ ذاب فراح
يقطرُ لطخاتٍ كبيرة كالصّفعات المتتالية عندما تتابع في صمتٍ على رقبتك و لا تتركُ
غير العرق المعروك بالسواد.
فطور و قيلولة ترتُقَ ما تمزّق من
ساعات حتى يؤَذَّنَ للظهر الأخير. و الظّهر الأخير حينَ ينتصف الظّهر، يُشظّي
القيلولة نصفين و يُبعثرها غَفواتٍ بطعم "الفلفل المُلَهْوَثِ"[1]و
تجرّعات الثوم و السّردين المقليّ و رغاوي العطش.
عبثا حاول الجميع إقناع سي ڨدّور
بضرورة ابتدار الصلاة عند دخول الوقت أو تأخيرها إلى العصر، حتّى السلطة عجزت، و
السبب مجهول أو لا يعرفه أحد، فآثر أغلب زبائن سي ڨدّور السّلامةَ في بيوتهم، و من
حضر فإنما جفاه النّوم أو خلا منزله من ركنٍ بارد ففرَّ إلى بيت الله.
و العجيب في الزوايا و المساجد
القديمة أنه كلّما اشتدّ حر الظهيرة ازداد بردها و تنسّمت ريح الصّبا فيحلو تحت
قبابها كسلُ النوم أو شجَنُ الحديث.
الرّواد هم أنفسهم كلّ يوم، سي يونس
و سي محمّد تاجر الصوفو سي عبد الله ولد الشيخ و عم جلّول الذي إن غاب أرسلوا في طلبه
و أحيانا ينضمّ عم سالم موظف الحيّ الإداري المتحفّز للتقاعد كلّما تغيّب غن العمل...
و ماء البئر منعشَة في الصّيف دافئة في الشتاء و الباب المؤدّي إلى الصحن الخلفيّ
يفتح قِبْلَةً و الشّبابيكُ، و رُكن المُصلّى حجر.
و بين مستلْقٍ و متربّعٍ و متّكأٍ
تميلُ الشّمسُ شيئا فشيئا إلى الزّوال في الخارج، و بعد ركعات العصر ينتقل المجلس إلى
الصّحن بعد أن يرشّ أحدهم ماءً باردا من الماجل[2] المنقور
في الأرض.
بعد الصّلاة ينصرف عم الهادي إلى
الڨاراج فيدفعه بعصاه محدثا صريرا مقزّزًا و يمضي على مقربة من الباب الخلفي فتجتمع
إليه الأرانب مندفعةَ من تحت ركام الخردة فيخرج نصفَ خبزةٍ من جيبه و يوزّعها على الحاضرين
و باليد الأخرى يردّ الماعز زاجرًا و قاذفا برقاقة خبز نحو الخارج ليبعدها ريثما تكتفي
الأرانب.
و لهذه الماعز حكاية تاهت في أروقة
الشرطة و الحرس و القباضة المالية و محكمة الناحية، لعلّنا نخصص لها صفحةً بيضاء أو
صفحات.
في هذه الأثناء ربّما تململَ ميشلان
ذات اليمين و ذات الشمال أو تنحنح لكنّ دون أن يفتح عينيه.
هاهو الآن يَشيدُ قصورًا من أحلام
و يُفكّكُ آلات و يرفعُ أخرى سلاحه الخيالُ و ضربة حظّ.
Commentaires
Enregistrer un commentaire