انتهت اللعبة بتبادل السباب . هو في الواقع قُطعت قطعا، و تدخّل الحاضرون و النادل العجوز الذي يهابه الجميع و رفع الكؤوس قبل أن يُصدّعها الدويّ و الأوراق قبل أن يطيّرها الغضب، و خفتت الأصوات في حناجرها و احتقنت في الصدور . كان الوقت أصيلا، و نسائم الربيع تهبّ و قد غُلثت بكتل من دخان عوادم السيارات و ألسنةٍ من روائح شِواءٍ مُثقلَةٍ من المطاعم المجاورة. كلّ تلك الترّهات تمتصّها شجرة الـ ficus التي تظلل باب المقهى فتختنق بها الحشرات و تسقط على رؤوس الجالسين و تختفي بين طيات ثيابهم و في كؤوس المشروب . تفرّق المتخاصمون كعادتهم، ليس إلى منازلهم و إنما إلى مجموعات أخرى، الوقت يتمطط و ساعة الغروب على بعد أميال، و الرجوع إلى المنزل قبل الظلام ضجر و افتعال مشاكل مع الأمّهات كما الآباء، تعرفون هذا، و من صار أبا فها قد ذكّرته . مرّت المشاهد أمام عيني حين التقيت صدفةً أحد رفاق المعهد ممن حضروا حادثة المقهى و ما تلاها في الغد . في المعهد كان الجوّ خانقا، شهرٌ وحيد متبقٍّ لعبور السراط، و الأساتدة كأنّ على رؤوسهم الطّير و الشّمس مرّت لإنضاج التوت و المشمش بعد أن أجهزت على الفول الذي كنا نخطفه من ...