يأتي الصّباح مسرعا. القمرُ ابتدر السّماء و حوله غُبار أبيض لا تحمله الرّيح.
الريح في الأرض، و الضّياء يلتهمُ بعضه.
حين أسفر الصّبح تماما، لم تطلع الشمس. كانت جبالٌ من ضباب تسير رُويدا ثم تنبعثُ نحو سماء لونها رصاصٌ أشهب.
قال بعض كبار السنّ، سمعتهم و أنا أمرُّ –في تلك المجالس التي تأبى أن تنفضّ، تتمادى في غيّ السهر: ضباب النصف الأوّل من يونيو (جوان الفلاحي) لا يضرّ، قال آخر: هذا الفجر و فجر الغد، غمامتان تستبكران الخريف.
قلت سرّا و أنا أركل قارورة مشروب- أزيحُ أذاها عن الطّريق: نستسقي بالنوء و نحسب بالنجوم و نتبوّل على البخاري، و رحت أفرك عيني أسْقِط ما بها من نعاس.
مرَقَ قط، كأنّه لمح شيئا تحت خشباتٍ أسندتْ إلى جدار، كانت هناك، بذراتٍ، حتى نبتت في الرّمل و سخام الريح.
عاد القطّ خائبا، مرّ آخر، لبثَ عند بقيّة زبالَةٍ عافها عامل النظافة الذي يعمل ثُلُث الدّوام أو رُبعه أو سُدسه أو... القانون يضمن حقّه في الإضراب.
اجتمع قطّان آخران و جاء ثالث، صار العدّ جمعا، اقتسموا المكان، لم يتشاجروا.
الزّقاق لا ظلّ فيه و لا ظلّ له. الضباب يتصاعدُ فيحمل أنين الأرض، مثل محمومٍ تمسح جبهته يدا عجوز بماء زهر النارنج، أزهر العَفَنُ في الحاويات الصّدئة و طار الشّذى و عطسَ المحموم.
أمام السوق المركزي، تخضّب الأسفلت بالسواد. و استحمّ الليل في السواقي التي بين الرصيف و الطريق، ترك سواده و غادر خفيفا. كان هنا.
أكوامٌ هي الجبال التي دقّ أوتادها اليوم السابق، نامت هناك و عند ارتعاشة الفجر تدثّرت بأجنحةٍ من ريش. ذباب.
صار الذباب أطول عمرا و أكثر خبرة منذ اعتمرت القرية طاقية المدينة: أكاليل من دخان مضفورة و حمائلُ مُقنطرَةٌ خضراء و ذات ألون ستبتلعها الخنادق عند الغروب، و تكفّ الذبابات عن الموت لترعى زهرة الحياة.
تصقل المدينة كلّ شيء، مثل خدود الحسناوات، فقط للقبل.
سئم الضحى ضبابه، و كره الضباب ضُحاه و أصرّت الشمسُ على الانتصار فاتّفقوا.
قال الضباب: سأختفي، أتبدد، سأفضحُ هزال القمر.
قالت الشّمس: انتظر، لا شأن لي بالقمر، تريّث حتى تحمى النصال.
*الصباح الذي كان.
الريح في الأرض، و الضّياء يلتهمُ بعضه.
حين أسفر الصّبح تماما، لم تطلع الشمس. كانت جبالٌ من ضباب تسير رُويدا ثم تنبعثُ نحو سماء لونها رصاصٌ أشهب.
قال بعض كبار السنّ، سمعتهم و أنا أمرُّ –في تلك المجالس التي تأبى أن تنفضّ، تتمادى في غيّ السهر: ضباب النصف الأوّل من يونيو (جوان الفلاحي) لا يضرّ، قال آخر: هذا الفجر و فجر الغد، غمامتان تستبكران الخريف.
قلت سرّا و أنا أركل قارورة مشروب- أزيحُ أذاها عن الطّريق: نستسقي بالنوء و نحسب بالنجوم و نتبوّل على البخاري، و رحت أفرك عيني أسْقِط ما بها من نعاس.
مرَقَ قط، كأنّه لمح شيئا تحت خشباتٍ أسندتْ إلى جدار، كانت هناك، بذراتٍ، حتى نبتت في الرّمل و سخام الريح.
عاد القطّ خائبا، مرّ آخر، لبثَ عند بقيّة زبالَةٍ عافها عامل النظافة الذي يعمل ثُلُث الدّوام أو رُبعه أو سُدسه أو... القانون يضمن حقّه في الإضراب.
اجتمع قطّان آخران و جاء ثالث، صار العدّ جمعا، اقتسموا المكان، لم يتشاجروا.
الزّقاق لا ظلّ فيه و لا ظلّ له. الضباب يتصاعدُ فيحمل أنين الأرض، مثل محمومٍ تمسح جبهته يدا عجوز بماء زهر النارنج، أزهر العَفَنُ في الحاويات الصّدئة و طار الشّذى و عطسَ المحموم.
أمام السوق المركزي، تخضّب الأسفلت بالسواد. و استحمّ الليل في السواقي التي بين الرصيف و الطريق، ترك سواده و غادر خفيفا. كان هنا.
أكوامٌ هي الجبال التي دقّ أوتادها اليوم السابق، نامت هناك و عند ارتعاشة الفجر تدثّرت بأجنحةٍ من ريش. ذباب.
صار الذباب أطول عمرا و أكثر خبرة منذ اعتمرت القرية طاقية المدينة: أكاليل من دخان مضفورة و حمائلُ مُقنطرَةٌ خضراء و ذات ألون ستبتلعها الخنادق عند الغروب، و تكفّ الذبابات عن الموت لترعى زهرة الحياة.
تصقل المدينة كلّ شيء، مثل خدود الحسناوات، فقط للقبل.
سئم الضحى ضبابه، و كره الضباب ضُحاه و أصرّت الشمسُ على الانتصار فاتّفقوا.
قال الضباب: سأختفي، أتبدد، سأفضحُ هزال القمر.
قالت الشّمس: انتظر، لا شأن لي بالقمر، تريّث حتى تحمى النصال.
*الصباح الذي كان.
Commentaires
Enregistrer un commentaire