Accéder au contenu principal

Articles

Affichage des articles du mai, 2017

"هذه القرية تهلك قبل أربعين سنة من باقي القرى" 2

خيام البدو متناثرة خلال تلك السّهوب، و الكلأ سديم. و الجِمالُ الرّاغية سئمت التّرحال و المسالك النّائية و الصّمتَ حين تقفو أثرها عساكر المحَلّة أو تفكّ أحمالَها جندرمة الفرنسيس. شغَفُ العيش رَزيّة، و القَطْرُ... عفَّتِ الغيومُ أروقةَ الصّحراء فعمَّمَتْ الذُّرى، و الذّاريات لها سَفْعٌ كوخز الذَرّ تُسـنْفَرُ في القيعان العَفْراء. بَعْضُ الخيام تَمَتْرَستْ بجُدرانٍ من حَجرٍ و زرب، أعياهم الطريق فخلدوا حيث أزهر في أرواحهم الكَلل. يوما سيُثمرُ أزقّةً و قُرى. بِضعُ نخْلات تجمّعت أسفلَ تلّةٍ جرداء. الطائر الزّهريُّ طويل العنق مرّ من هنا و لم يكِنْ -حدستْ "أمي سالمة". نهرت الدواب تستحثّها و غذّت الخطى، لا مقام هنا. الطّريق آمن، قُطّاع الطرق و الصّعاليك ضيّقَ عليهم الجنود الذين يرطنون مُنهكين من سياط الشّمس و الغبار و الهزيمة. ظلّت هذه البراري و الوديان و الرّبى و الجبال مَهدُهم و رزقهم و لحدُهم و ذكراهم في الذّاكرين، فوحّدوا بنادقهم إلى صدر الأجنبيّ و تحصّنوا بالشّعاب و شعف الجبال. الصّبيّ على ظهرها إن صحا أو في عديلَتَه يُهدهدُه تمايل الناقة، هو أنيسها و ذكراها و لا غر...

"هذه القرية تهلك قبل أربعين سنة من باقي القرى" 1

"أمّي سالمة" تنفخ في الأثافيّ حين هجم لصّ. رأت أثر قدميه على الرّمال و تبيّنت أثر ثُعبان زحف إلى خبائها.  و انكمش الظّل و صدرها انقبض. لم يكن عندها شيء يُسرق، ولدها الرّضيع نائم و الجمل يجترّ طعامه غير عابئ و بعض متاع تكوّم على حصير و زوجها اغتدى إمّا يطلبُ رزقا أو يطلُبُه ثأر. الحظّ؟ الحظّ بخت أو زهر، أو معًا. منذ الفجر سكنت الرّيح و استدار الأفق رصاصيّا، و النّار في مجمرها تصاعد دخانها الأسود مستقيما فغشّى القدر، و لم تعبأ القدر و لا الذّبابات الرّاقصة بين الظلّ و الشّمس. سنح طائر طويل العُنق و حوّم برهةً ثمّ برح مخلّفا أثرا لامعًا كالسراب. مرّ فارسٌ على سرجٍ بلون الزّهر و العطش، أردى الفارس اللصّ بطلقة و جرّه حيث تغرب الشمس ثمّ جلسَ غير بعيد و لم ينبس و لم يملأ قربته الفارغة. و انشقّ خلفه الغبار. جثت "أمي سالمة" حيث يغفو رضيعها و اطمأنّت، لمّا يتسلّل الثعبان إلى هنا و لعلّه مرّ. تحسّست تميمة معلّقة في ثوبه و انحنت تُقبّل جبهته حين دوّت طلقة يتيمة. عاد الزّوج و لم يفكّر حين لمح الفارس، في الصحراء لا يفكّر الناس، يبادرون فقط، و البقاء فعل لا أماني. -"احزمي م...

مذكرات عبسلام 29

الموسم3 الحلقة29 دار عبسلام حول نفسه حتى صار على أطراف أصابعه و يداه تُعامدان السّماء و النجوم تطوف حوله و سربٌ من حمام و بعض وطاويط. رقص كـلولبٍ حتى أنهكه الوجود فتهاوى كشهاب.  فوق سقف القلعة وجد متأمّلا و فسحَةً من سَكَن، ما طالت الرّحلة إلى هنا بالقدر الذي خشيَ معه أن تفتُر همّته و يدمى قلبه، المناظر خلاّبة و الجوّ بديع و ما جاء يبحث عنه كأنّه كُشف له من أول شمّة نسيم. فهم السرّ الذي جعل الأولين يملكون البلاد و العباد من هذه القلاع الحمراء و لم يبقَ إلا أن يعلم شيخه، و لعلّ الشيخ علم و اكتفى. باغتته فكرة أنّ شيخه يعلم السرّ و النوايا، فتسائل لماذا يقحمني دروب المهالك و المخاطر! و خطر له أن الشّيخ يعدّه لأمر عظيم، فابتسم و هدهدته الفكرة فنام. في الصباح تسلل نازلا إلى دروب المدينة فجال في بطاحها و أزقّتها و داعبته فكرة أن يرسله شيخه فيفتح الأندلس و بستردّ قلاع الثغور  و يمضيَ قدما حتى يعبُر جبال البرنس على خطى الغافقيّ و عنبسة بن سحيم، لكنه أطرد الفكرة و فضّل حنّبعل و مدينة روما يفتحها راكبا فيلا و في يده مصحف. ارتعب لجلال المشهد و سرعان ما هشّ الفكرة بأصابعه كأ...

مذكرات عبسلام 28

الموسم3 الحلقة28 غيرَ بعيد تراءت له قبابُ وِجدة، و ارتدّت الريح بأذانٍ و نفيرِ سيّارات، فنظر تحته فإذا لا ظلّ له، فأرجع البصر في السّماء فإذا الشّمسُ لو طالت يده لأدركها. أفزعه فَقْدُ الظّلّ فتلمّس وجهه و مؤخّرته و تنهّد، قال: إنّى على سفر، فإذا صار الظّل ظلّين جمعتُ و قصّرت، و ركز عصاه و مضى. صعد تلالا و هبط وهادًا و طوى قفارا و لا حيَّ فيها ينادى و لا رفيق يؤنس، فقنعَ بالتسبيح و يحتسب أجرَه عند شيخه و أحيانا يُدندنُ شيئا أو يرتجل شعرا: وحيدٌ بأرض المغربين أسير__سُميّةُ تبكيني كما مُنْبلِزيرُ إذا قيلَ في أغمات ألقى رحْلَهُ__فقلبي إلى شيخي المُفدّى يطيرُ أذلُّ بني هلالَ صاروا رؤوسا__بأيديهِمُو حلٌّ و عَقْدُ كَثيرُ فدانَ له المملوكُ و النّاسُ خلفه__و كلّ عظيمٍ طاعَنَا و كبيرُ و كان كلما آلمته قدماه جلس يصلح نعليه و يلفّهما بما يجد من أعشاب و خيوط و أسلاك و يُحكم ربطها ثم يتأمّلها و يقول: تالله إنّ هذه لشلاكَةٌ يحبّها شيخي، تالله ما خطر مثلها لأحدٍ من العالمين، حريٌّ بها أن تطأ ثرى الجنان. لم ينتبه عبسلام إلا و الظّلّ على يساره أعوجُ و النهر يقطع طريقه و إذا هي ...

مذكرات عبسلام 27

الموسم3 الحلقة 27 -أين كنت يا عبسلام... أكلّما أرسلتك في أمر إلا و أرديت نفسك في هلكة!! -حنانيك سيّدي، أسرني ملك الجنّ و خان عهدك! إجعله في الأصفاد يا مولاي، إنّي مظلومٌ فانتَصِرْ! -مباركٌ أنت يا من وَدَعتْ على ركبته الوحوش... أما حذّرتُكَ ضيعة الطّيوبِ و كلّ ناهدٍ لعوب! ختلتَ ابنة الملك و تعجب! لكنت قنعت بجاريتها يا عِبس!! -صُنْعُ يدك يا شيخي، ما كان لهمّتي أن تقنع بغير النّفيس من بنات ابليس، و الله إنّ عليهنّ لحلاوة و... حسبك! أما و قد ذُقتَ عُسيلتها فهنيئا لك. تمضي متى فرغت إلى أغمات فتنظرَ كيف كان عاقبةُ الأوّلين. -مولاي! أما من عَوْد؟ غلّبََ الشوقُ و حنّت الضلوع. و بدر منه رعشةٌ و بكاء، و ما رقّ قلبٌ في الأنام مثل قلب عبسلام. -لكلّ أجلٍ كتاب يا بُنيّ، فلا تخلد إلى الأرض و تتبع هواك، و إنّا رافعوا ذِكرك حتى يُشار إليك بالبنان: هذا عبسلام صفيُّ الشيخ و خليله كوكبٌ يطوف حول الشمس.     طهّر قلبك يا ولدي و اتبعه إلى أغمات و اتّعظ! -طهّرته في نهاوند يا مولاي فهو أشدّ نقًا من ثلج الشّعانبي. -عد فطهّره و إلا طهّرناه لك! -مولاي! رحمتك! و ما تترك لسميّة!...

مذكرات عبسلام 26

الموسم3 الحلقة 26 جسّ جيوبه فإذا هي عامرة بالبركة و اتّجه صوب بعض الحوانيت فتزوّد ببعض ما يقيم عوده في خلوته المرتقبة في الغار. بدت كلمات شيخه واضحة جلية " إذا بلغت زوج بغال فامكث في المغارة حتى يأتيَك منا اليقين"، فتطلّع ببصره لعلّه يرى إشارة أو يتبيّن موضع الربوة و القرار المتين، لمنه لم يظفر بغير خوذات الجنود و عجلاتهم و الرايات تعبث بها الريح. حمل أغراضه و انطلق حيث تحمله قدماه، و نسائم الضحى تلفح وجهه برائحة الغبار و القيظ. كان منهكا فلم يشعر بشيء، و انتبه فجأة فإذا هو قد أوغل نحو الجنوب، و إذا ذئبٌ يسعى في الأرض... حشرج عبسلام: يا ويلتي هذا نذير شؤم! و إذا بالأوَيسِ ينبش في الأرض عند جذع دوحة وارفة، و إذا هو سردابٌ يمتدّ بعيدا في الظلام. تقدّم صهر الشيخ و البشرى تدفعه و لسانه يُردد: لو كان يدري أويسُ ما أتت يَده__ لما عرفت أين يكون الغارُ قد رُدِما لله درّ أويسا في بشارته__ لَجُزْتُ دون مَغارِ التلّة العَدَما ثم خرّ على ركبتيه راكعا و مسبّحا بحمد شيخه و إذا بالذّئب يقتربُ مُرحّبا و يضع رقبته على فخذ عبسلام. يا لكرامات الأولياء! يا لمقامات ال...

مذكرات عبسلام 25

الموسم3 الحلقة 25 تحسس عبسلام الصخر بأنامله، شقٌّ في الجدار  تسللت منه البشارة! صاح عبسلام و قد ملأه الغيظ كأنّه يُخاطب شيخه: -أما كنت أفصحت! أوحيٌ بلغة الكُفّار! و بكلّ ما رسب في قلبه من حرقة الحرمان و الغضب راح يضرب الصخرة المشقوقة بقبضتيه و من منخريه ينفخ دخان الغيظ و القهر، و تفتت الصخرة و انفرجت بين أصابعه كوّةٌ من أمل: -أنا عبسلام، مشكاةٌ من جسد و روحٌ من عقيق! ظلّ يرددها و يداه تزيحان الحجارة حتى تبيّن له بصيصٌ من نور و تناهى إليه صفير الرّيح يتكسّر عبر النّفق، و انبطح على كرشه زحْفًا كثعبان يطلبُ دفء الشمس في يومٍ عاصف. دميَتْ ركبتاه و خُدشَ قفاه و رُضّ منكباه و نُتفَ فوداه و شُجّ رأسه و خُدّرت مفاصله و ما استكانَ و ما يئس و ألفى نفسهُ على شفا جُرْفٍ و دونه الرّدى لو خرّ لتخطّفه الطّير. كان الوقت أصيلا و الشّمس تنذر بالمغيب و الرّيح سَكْرى لا تعي، و عبسلام يحمل رسالةَ الوجود إلى العدم بهمّةٍ لا تني. أسرع يسدّ مدخل النّفق بالحجارة و التراب ثم انزوى بين نبوتين عظيمتين و همّ يوري قدحه للمُقام. غدًا فجرٌ جديد. ابتلع الظلام الجبال و أوقِدت جمرات في ال...