خيام البدو متناثرة خلال تلك السّهوب، و الكلأ سديم. و الجِمالُ الرّاغية سئمت التّرحال و المسالك النّائية و الصّمتَ حين تقفو أثرها عساكر المحَلّة أو تفكّ أحمالَها جندرمة الفرنسيس. شغَفُ العيش رَزيّة، و القَطْرُ... عفَّتِ الغيومُ أروقةَ الصّحراء فعمَّمَتْ الذُّرى، و الذّاريات لها سَفْعٌ كوخز الذَرّ تُسـنْفَرُ في القيعان العَفْراء. بَعْضُ الخيام تَمَتْرَستْ بجُدرانٍ من حَجرٍ و زرب، أعياهم الطريق فخلدوا حيث أزهر في أرواحهم الكَلل. يوما سيُثمرُ أزقّةً و قُرى. بِضعُ نخْلات تجمّعت أسفلَ تلّةٍ جرداء. الطائر الزّهريُّ طويل العنق مرّ من هنا و لم يكِنْ -حدستْ "أمي سالمة". نهرت الدواب تستحثّها و غذّت الخطى، لا مقام هنا. الطّريق آمن، قُطّاع الطرق و الصّعاليك ضيّقَ عليهم الجنود الذين يرطنون مُنهكين من سياط الشّمس و الغبار و الهزيمة. ظلّت هذه البراري و الوديان و الرّبى و الجبال مَهدُهم و رزقهم و لحدُهم و ذكراهم في الذّاكرين، فوحّدوا بنادقهم إلى صدر الأجنبيّ و تحصّنوا بالشّعاب و شعف الجبال. الصّبيّ على ظهرها إن صحا أو في عديلَتَه يُهدهدُه تمايل الناقة، هو أنيسها و ذكراها و لا غر...