كان الزحام شديدا، و لا أثر لرائحة
العرق، بالعكس كانت تفوح أجود العطور الباريسية –إن لم تكذب حاسة الشم- و هنا و
هناك مجامر ترتفع على سَوارٍ تُحرق فيها أجود أبخرة البنجاب و عُمان –أو مما شُبّه
للحاضرين.
بمنطق أهل الأرض الفانين كانت
البطحاء تجمّعًا لقنابل من لحم و دم اصطفّت على حافتيْ الطريق. و هكذا بدت الساحة
فسيفساء من الألوان و الجمال و الكمال و البهاء و الشّدى.
اُستُقبلت شهيدتنا بين أترابها بالتصفيق
و الصفير و التهليل، فقد سبق خبرها حضورها و علم الجمبع مأثرتها فكبرت في عيون الحاضرات.
و أحطن بها يثنين على جمالها و
يتلمسنها و يربّتن على مؤخرتها و يتشممنها كأنما يتبرّكن بها. و في أثناء ذلك تعرّفت على الكثيرات من
بينهنّ و نشأت صداقات كان لا بدّ منها لأيام السّأم و الضجر. كانت بينهنّ فلسطينيات
و سوريات و شيشانيات بيضاوات كالجبن و سمراوات يؤكلن على الشبع و زنجيات كقهوة
الصباح يُشربن على الريق و حتى صفراوات كالآيس كريم.
-بعد الموكب أريد الاجتماع بكنّ لأمر
هام فلا تتفرّقن حتى أراكن.
ما أن أتمت الجملة حتى سُمع وقع
سنابك الخيل و ارتفع الصّراخ.
على خيل سود تقدّمت فارسات بيض
تتأرجح نهودهن على وقع الخبب و قد رمين بأوشحتهنّ في الهواء فلا ترى عِوجا و لا أمتا
و لا نشازا و لا نفورا.
-Oh ma Gott!
-Yeh! Dat’s
maturity; you’ll never guess.
و قطعت الحوار موجَة من التصفيق و
الصراخ حين لاح موكب فارسات سود على خيل بيض يشعّ منهن بريق يخطف الأبصار، كأنهن
جواهر سود أو قُدود شُكّلت من بارود... ترمي الناظر في اللحود.
-من هؤلاء النسوة؟ همست لمن كانت
تقف جنبها.
-إنهن السابقات السابقات ممن فجرن
أنفسهن في الشيشان و موسكو و بغداد فُضّلن علينا بنعمة النّضج فهنّ كلّهن في
الأربعين، و يُسمح لهن بلقاء من يرغبن و يشتهين.
-لهذا دعوتكنّ أخيّاتي. قالت و
الغضب بيّن في اهتزاز نهديها.
و تسلقت مصطبة كانت هناك و قامت
تخطب في الحاضرات:
-أخواتي المجاهدات، أدعوكم للانضمام
لمجموعتنا "فرقة المجاهدات العزباوات" التي ستتولى الدفاع عن حقوقكم
التي سفكتن دماءكن من أجلها... من الآن يسقط الاحتكار الذكوري و تحيى المساواة!
و اختلط الهتاف بالتصفير و ارتفعت
أياد ناعمة تقذف كل أندروير underwear في الفضاء.
-آنساتي، لا
حيف بعد اليوم و لا منع و لا تمييز، لم نفجّر أنفسنا للبقاء في الخدور مع اللحم
الصناعي... نريد لحما حقيقيا... و لن نحضر خطبة الجمعة!
و سيكون
شعار منظمتنا رسمَةُ black string بحاشية
حمراء، انطلقن الآن مباركات و اتصلن بي إذا حدث شيء.
و ما أن
تفرّقن إلى مراكبهنّ حتى أمرت الحوذيّ أن يطير إلى حيث الأنهار التي شاهدتها آنفا
و هددته بالسجن إن رفض الكشف عن أمر الختم الذي أسفل بطنه.
يتبع
Commentaires
Enregistrer un commentaire