Accéder au contenu principal

يوميات مجاهدة في الجنة 5

كان الزحام شديدا، و لا أثر لرائحة العرق، بالعكس كانت تفوح أجود العطور الباريسية –إن لم تكذب حاسة الشم- و هنا و هناك مجامر ترتفع على سَوارٍ تُحرق فيها أجود أبخرة البنجاب و عُمان –أو مما شُبّه للحاضرين.
بمنطق أهل الأرض الفانين كانت البطحاء تجمّعًا لقنابل من لحم و دم اصطفّت على حافتيْ الطريق. و هكذا بدت الساحة فسيفساء من الألوان و الجمال و الكمال و البهاء و الشّدى.
اُستُقبلت شهيدتنا بين أترابها بالتصفيق و الصفير و التهليل، فقد سبق خبرها حضورها و علم الجمبع مأثرتها فكبرت في عيون الحاضرات.
و أحطن بها يثنين على جمالها و يتلمسنها و يربّتن على مؤخرتها و يتشممنها كأنما يتبرّكن بها. و في أثناء ذلك تعرّفت على الكثيرات من بينهنّ و نشأت صداقات كان لا بدّ منها لأيام السّأم و الضجر. كانت بينهنّ فلسطينيات و سوريات و شيشانيات بيضاوات كالجبن و سمراوات يؤكلن على الشبع و زنجيات كقهوة الصباح يُشربن على الريق و حتى صفراوات كالآيس كريم.
-بعد الموكب أريد الاجتماع بكنّ لأمر هام فلا تتفرّقن حتى أراكن.
ما أن أتمت الجملة حتى سُمع وقع سنابك الخيل و ارتفع الصّراخ.
على خيل سود تقدّمت فارسات بيض تتأرجح نهودهن على وقع الخبب و قد رمين بأوشحتهنّ في الهواء فلا ترى عِوجا و لا أمتا و لا نشازا و لا نفورا.
-Oh ma Gott!
-Yeh! Dat’s maturity; you’ll never guess.
و قطعت الحوار موجَة من التصفيق و الصراخ حين لاح موكب فارسات سود على خيل بيض يشعّ منهن بريق يخطف الأبصار، كأنهن جواهر سود أو قُدود شُكّلت من بارود... ترمي الناظر في اللحود.
-من هؤلاء النسوة؟ همست لمن كانت تقف جنبها.
-إنهن السابقات السابقات ممن فجرن أنفسهن في الشيشان و موسكو و بغداد فُضّلن علينا بنعمة النّضج فهنّ كلّهن في الأربعين، و يُسمح لهن بلقاء من يرغبن و يشتهين.
-لهذا دعوتكنّ أخيّاتي. قالت و الغضب بيّن في اهتزاز نهديها.
و تسلقت مصطبة كانت هناك و قامت تخطب في الحاضرات:
-أخواتي المجاهدات، أدعوكم للانضمام لمجموعتنا "فرقة المجاهدات العزباوات" التي ستتولى الدفاع عن حقوقكم التي سفكتن دماءكن من أجلها... من الآن يسقط الاحتكار الذكوري و تحيى المساواة!
و اختلط الهتاف بالتصفير و ارتفعت أياد ناعمة تقذف كل أندروير underwear في الفضاء.
-آنساتي، لا حيف بعد اليوم و لا منع و لا تمييز، لم نفجّر أنفسنا للبقاء في الخدور مع اللحم الصناعي... نريد لحما حقيقيا... و لن نحضر خطبة الجمعة!
و سيكون شعار منظمتنا رسمَةُ black string بحاشية حمراء، انطلقن الآن مباركات و اتصلن بي إذا حدث شيء.
و ما أن تفرّقن إلى مراكبهنّ حتى أمرت الحوذيّ أن يطير إلى حيث الأنهار التي شاهدتها آنفا و هددته بالسجن إن رفض الكشف عن أمر الختم الذي أسفل بطنه.
يتبع

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...