ظلت الشهيدة السابقة في حالة من التيه و الإنهاك، كل قطعة منها تؤلم لوحدها، فاغرة فاها لا تكاد تفقه شيئا، كان حقّا عالما عجيبا لم تشهده من قبل عينا بشريّ.
بحكم الممارسة أدركت القهرمانة الوضع. أهالت على كتفي الشهيدة رداءا رقيقا كأنه نسج عنكبوت، ثم قالت و هي تتجه نحو الباب:
-لم تريْ شيئا بعد يا صغيرتي، ارتاحي قليلا ثم تمتعي بنهر الحياة.
و اختفت و معها الجاريات و عمّال الخدمة كفقاعات زبد لا لون لها.
مرّت لحظات، ربما سنوات بحساب العالم الفاني، تفحّصت الكدمات التي غطّت بشرتها و العضّات التي كادت تدمي صدرها و تعقّبت أثَر الصفعات على مؤخرتها و رغم ذلك تمنّت لو أن الحال طال.
و راحت شهيدتنا تتلمس طريقها بكسلِ عروس يوم صباحها نحو الباب الأول على اليمين.
في الداخل، أي خلف الباب، ينفتح عالم آخر كحكايات الجنّ، حوض بلون اللازورد تجتمع إليه مياه لا يشوبها كدر تهبط من علٍ كأن شلالا له خرير فُتح في قبّة السماء، و تمتد أفنان الشجر و أصناف النّوْر كحديقة سحرية لا تنتهي.
استقبلها عُضروطُ عِين يلبس قبقابا لا غير. تفحّصته من أعلى إلى أخمص مرورا بوسطه فما عثرت على ما يعيب و لا وجدت ما يَخيب. قال عضروط العِين و البسمة تتلألأ في ثغرٍ كالدرّ المنظوم دون أن يبديَ اهتماما بذؤابتيْ نهديها المتورمتين و لا الكدمات على الخصر:
-مولاتي، هذا الحوض خير من مائة ألف جاكوزي، ما أن تغطسي فيه حتى تعودين إلى اللحظة الصفر، و إن أردت بعد ذلك عندنا صونا sauna ستزيدك رشاقة و خفّة أو لك الخيار بين التدليك العربي و التايلندي.
-Oh my god !
ردّ الصوت الجهوري ذاته:
Eh ! Sure I’ll vote for the 2nd-
و غمزة تواطؤ تُستشعر في نبرة الصوت، و كان كما قال.
ظهر مدلّك آسيويّ الملامح بشارب دقيق و خرطوم لولبيّ، شهقت من الفرحة أو ربما من العجب، و الدّهشة تزيد اللحظة ألقا:
-Oh my go…sh !
-Ne-ver call me go-sh again, you’ll be… fi-red!
-صطغفرلهلعظيم
-Good girl !
-كما تشائين مولاتي، كل شيء أنشأ إنشاء في خاطرك، قال الآسيوي منتظرا الإشارة.
و جاءت الإشارة في الحين، و ربما مرّ عام أو عامان، و ليس للزمن وجود و لا للأرض حدود.
و في ما يشبه الصباح عندما غرّدت العصافير تذكّرت مجموعة العضاريط العين و خمّنت إن كانوا خمسين أو أكثر، "ربما كانوا اثنان و سبعين" قالت و هي تسترجع بكرة الشريط، "نعم اثنان و سبعون كما قال الشيخ العريفي لله درّه".
و في تلك الثانية كانوا حولها يرسمون حُدوة الحمار.
-Oh my go… d!
~Just do it!
قال الصوت الجهوري مشجّعا.
لا أحد بعدّ ذلك اهتم بما حدث، ربما ثلاث وصلات عنيفة أو أربع، يبقى ذلك مجرّد ظن، و الظن لا يغني عن الحق. كانت الغظسة في نهر الحياة كفيلة بمسح كل آثار التعب و الانهاك.
ثم كانت القهرمانة و معها المزيّنات يهيّئن الشهيدة لحضور موكب الأرملات السود و البيض.
يتبع
Commentaires
Enregistrer un commentaire