لبث عبسلام في صرعته خامدا لا
يعي، و الوزير يجسّ و يقلّب ذات اليمين و ذات الشّمال و شيْخهم باسط ذراعيه
بالدّعاء.
و بين الرّؤى و الأحلام سرح
عبسلام كأنه أحد الملائكة الطوّافين. رأى نفسه يعمّي
الأثر بكرَّة زربٍ في حوطة الأميرة، و شاهد كيف راوغ حرس الخليج في طَرْحَةِ
دلاّع، و ألفى روحه تحنّ لنهاوند و جارية السّطح، و عُرضت أمامه الآياتُ في أكناف
المُرادية و باب الوادي، و كأنما خُضّت مشاعره لما رأى جسده مسجّى على مصطبة قاعة
العرش في مملكة جنّ سليمان الحكيم في وهاد الأطلس و الرّيف.
و كان قد استيأس الوزيرُ، و همّ يُعلن الجُثَّة
في حالة وفاة، و كاد يُعلَن الحداد، و من كان شيخه الشّيخ لا يخيب، و لقد رأينا
الآيات من قبّلُ و أيقنّا مع الموقنين.
و اندلفت ابنة الشيّخ تنتحب:
أوّاه راح القويّ الأمين. و رمت الأربعة.
و جئْنَ كلّ نساء الشّيخ يرفلن في
السّواد محجّبات مبرقعات ضاربات خُمُرَهنَّ على الجيوب، و فيهن المُسَرولات
السافرات الحازِقات مُعطّراتٍ بكلّ شَمٍّ نفيس، ثم انتحين حيث ركن الحريم، و
انغمسن في نميمة صاحبات الخدور.
و ساد الصّمت و ران، و حلّقت
غربان الشّؤم تنعق، و تجلّى زحل بالنّحس حول ثريّا السّقف، و خمد في الخارج كلّ
نسيم.
و الخقّ، ما كان لعزرائيل أن يأخذ
عبسلام و هو في دين الشّيخ و النّسَبِ و الصّهر.
قال الشيخ:
-ارفعوه مكانا عليّا، فإني لا
أنحني لغير الله إن كشف عن ساق، و ربما حال دوني و ذاك الروماتيزم.
و كان أن سَبَلوه على طاولة
الاجتماعات، صلبة باردة قاسية كرخامة قاعة عرش ملك الجن.
و أحاطوه و طوّف الشّيخ سبعا حوله
ثم مال على عبسلام فوشوش شيئا و أأومأ إلى أحدهم يسمّى الصّحبي أن أدنُ، فدنا و
أذن للآخرين بالمغادرة.
قال:
اقرأ ما علّمتك من آيات حتى
تختفي، ثم بَعْبِصه ثلاثا فإنّه بها يُبعث حيّا، و إني على العرش أراقب و لا يخفى
شيء عن ناظري، فافعل ما تؤمر ثم أخرج على الناس بالبشرى لعلّهم يؤمنون.
Commentaires
Enregistrer un commentaire