في بحبوحة المجد
الحلقة 1
اجتمع الملأ في جبل اللذة بين عصرٍ
و مغرب و قد مالت الشّمس فأغرقت الهيكل في –الضّلال- و تمايلت الأفنان الرقيقة ما
أن هبّ نسيم بحريّ فاقشعرّ لها جسد الشّيخ المتورّك على كرسيّه –ثمّ أناب.
رفّت ستائرُ رقيقةٌ من خلَل قَضبان
البرمقلي فبدت كأجنحة ملائكة تتنزّل بالأمنَة و السلام و تثاءب الشّيخ و قد ارتخت
عضلاته حتى أن ريحا طيّبة جَرتْ من قبل مقعدته التي تدور في فلكها الأنحاء و
الأشياء.
مسح عبسلام- القاعد في ظلّ العرش-
أرنبة أنفه في حركة عفوية تتّسم بالبلاهة التي تُميّز المحظيين في مقام القرب و المباشرة،
أين تُرفع السّتُرُ و تُنتَهك الحجب، يُغنيهم الصّمت بالوحي الموصول عن جهد الكلام
و دناءة الرّمز و الحديث.
همس شخصٌ ما "ألّي شَمّها
لمّها" و ران الصّمت من جديد حتى خرقته ذبابة خضراء.
صاح الشّيخ مغتبطا و في حلقه
حشرجةً خلّفتها نسائم الكورندار:
-هذه الذّبّانة تُبشّر بالرّبيع،
خلّوها إنّها مُرسلة.
و تنحنح ثمّ يصق في طرف لحفته و
عاد يستوي على العرش، فيما راحت يده تحكّ ما تحته و عيناه ترقصان متتبّعتين مسار
الذبابة بشيرَ ربيع العرب- حتى احولّتا، و التمع جبينه المُبيّض ببعض الطّيوب
المنصوح بها و التي لا تفسد الوضوء.
ثم عاد يتأمّل مستشرفا في صلاته
حدود الملكوت، حتى كانت منه غَرغرةٌ كماء يُهرق في قَمع و عَرقٌ ينِزُّ كطلٍّ على
قوارير.
و هرع الجميع وقوفًا يتحلّقون، و
كان عبسلام أوّل الفَزِعين، و راح بكفّيه يستلم الكفّين و بركبته يُثبّت
الرّكبتين، في حين صاح أحدهم يستدعي وزير الصّجة الذي بفضل الله و صل لحينه و ظلّ
يتفاوض مع سائقه حول شيء يخصّ بعض الشؤون الضرورية.
و صاح الشيخ:
-نعم... إنا نحن الوارثون، قضى
فكان.
و خرّ عبسلام تحت العرش صَعِقا.
Commentaires
Enregistrer un commentaire