ارتفعت الشمس أمامنا فرقص لها النور و الظلّ و تلوّتِ الطريق عبر ما تآكلَ من شِعَبٍ شعثاء و ما ذَبَحت سيولٌ غابرَةٌ في خدّ الأرض الأبيض. نادى أبو بُشيلَةَ غلاما يمشي في ظلّ جِحْفَةِ سيّدته و مال عليه مُسِرًّا بشيء و مُشيرا بطرف عينه إليّ، و مضى الغلام حتى طرقَ خباء مولاته فانفتح ستارٌ و أطلّت منه جارية -و الله يعلم- كأنّها قُدّتْ من قوارير و نورٍ و عطر، فحدّثها بما حُدِّث، و حدّثتني نفسي بما لن أحدّث به أبدا، و أسدِل الحجاب. و كأنّي غشِيَتْني بهتةٌ فإذا بفمي مفتوحٌ و عينايَ لا تطرفان و يدي تقبضُ على الزّمام و أبو بُشيلة يُكلّمُني و لا أعي ما يقول و لا أفقه حرفا حتى لكزني بمقدّم ساقه فانتبهت: -يا شيخ! يا زكرة! بالله عليك... ما تلك إلا وصيفتها فتجلّدْ و اصبرْ حتى يأتيَكَ اليقين! مرّرْتُ كفَّي على وجهي و من طرف شَكوةِ الماء رُحت أبلل يدي و أمسح بها جبهتي و رقبتي حتى زال عني ضبابُ الحُلُم و تمالكت نفسي أن أقع من ذروة البعير، قلت: -إنّما من صبرٍ جُبِلْت، و ما كانت قدمي لتزول. و رُحت أرجع البصر و أسترق النّظر و أختلس نَشَقاتٍ من عطرٍ أشف...