Accéder au contenu principal

Articles

Affichage des articles du 2017

بعضُ خبر أبي بُشَيْلَة4

ارتفعت الشمس أمامنا فرقص لها النور و الظلّ و تلوّتِ الطريق عبر ما تآكلَ من شِعَبٍ شعثاء و ما ذَبَحت سيولٌ غابرَةٌ في خدّ الأرض الأبيض. نادى أبو بُشيلَةَ غلاما يمشي في ظلّ جِحْفَةِ سيّدته و مال عليه مُسِرًّا بشيء و مُشيرا بطرف عينه إليّ، و مضى الغلام حتى طرقَ  خباء مولاته فانفتح ستارٌ و أطلّت منه جارية -و الله يعلم- كأنّها قُدّتْ من قوارير و نورٍ و عطر، فحدّثها بما حُدِّث، و حدّثتني نفسي  بما لن أحدّث به أبدا، و أسدِل الحجاب. و كأنّي غشِيَتْني بهتةٌ فإذا بفمي مفتوحٌ و عينايَ لا تطرفان و يدي تقبضُ على الزّمام و أبو بُشيلة يُكلّمُني و لا أعي ما يقول و لا  أفقه حرفا حتى لكزني بمقدّم ساقه فانتبهت: -يا شيخ! يا زكرة! بالله عليك... ما تلك إلا وصيفتها فتجلّدْ و اصبرْ حتى يأتيَكَ اليقين! مرّرْتُ كفَّي على وجهي و من طرف شَكوةِ الماء رُحت أبلل يدي و أمسح بها جبهتي و رقبتي حتى زال عني ضبابُ الحُلُم و تمالكت  نفسي أن أقع من ذروة البعير، قلت: -إنّما من صبرٍ جُبِلْت، و ما كانت قدمي لتزول. و رُحت أرجع البصر و أسترق النّظر و أختلس نَشَقاتٍ من عطرٍ أشف...

خطبة الجمعة موحّدة من مساجد بول البعير

الحمد لله وحده، ناصرِ عبده، و صادِق وعده، مُنزل الكتاب و مُجريَ السّحاب، فيُحيي الأرض اليباب، إلا صحاريَ أبناء القحاب. أما بعد، إخوتي في الله، هذا يومٌ عظيم، يتنزّل فيه كلّ ملَكٍ كريم، فعمّروه بالطاعات، و زيّنوه بالقرُبات، تفوزوا بالجنّات، و أفخاذ الحوريات، في خيامٍ مقصورات. إخوتي في الله، إنّ الأمّة في خطر، و العدوّ قد أضمر لها الشرّ، و جمع و انتشر، و ما لكم لغير الله من مفر، ففرّوا إلى الله، و تحيّزوا إلى من والاه، ينصرْكم على من عاداه، فلا يغرّنكم الخُلود إلى التراب، فإنّ إلى ربّكم المآب، و كلٌّ في كتاب، و عنده جَرْدُ الحساب. عباد الله، هذا ربّ الجنود يدعوكم للنفير، فلبّوا النّداء بالتّكبير، و هبّوا للجهاد، و فِزّوا من رُقاد، و أقبلوا مع العباد، فإنا مهّدنا لكم طريق الصّحراء، من ليبيا إلى البتراء، و هذا البحر لمن تزكّى، يُلقيكم في ميناء عكّا،  و أحسنُكم طريقة، على خُطوط الفريخة، من مطار صفاقس الأبيّة، أو مُدرّج سقانُسَ الزّكية، و تهبطون في اسطمبول، و فيها سيف الربّ المسلول، صديق شيخنا البهلول، و الله شهيد على ما أقول. إخوتي أحباب الربّ، هذا حبيب الله سلمان، صاحب ال...

بعضُ خبر أبي بُشَيْلَة 3

هوى القمر خلف التلال فأبطأ الرّكبُ قليلا سَيْره، و بإشارة من قائد الرّحلة شكّلت الجِمال دائرة كثعبان يأكل ذيله و أوقِدت بعض نيران تدرأ خطر هوامّ الليل، فلمعت البطحاء و انعكس نورها في الوجوه. على الأرض تتشبّثُ الحُمّيضة لتترك للسيل طريقه فتبدو كأنّها جُزُرٌ  طفَت، أتخيّلها خنقها الملح حتى ازرقّت و خضّب الشيب نواصيها. قريبا، تململت قُصيْباتٌ في أجماتها و قد تقَصّفتْ وُرَيْقاتها و صبغتها صُفْرَةُ الخريف بينما توسّد الحنظل الثرى و التحف أوراقه كأخطبوطٍ يحضنُ بيضه. برز أبو بُشيلة من خلف أرومة سمارٍ فبدا كفارس ينثُرُ كنانته و يخترق جيوش الظلام و قد أضاءت النار وجهه، ثمّ إذا به ينحني لينفض حُصيّاتٍ تسرّبت بين سُيور نعله، فصحت: -كأنّك يا أبا بُشيلَة بين سَمُرات الحيّ ناقف حنظل، أنظر تحتك ترَ بعر الماعز كأنها حبّ فلفل... نظر نحوي كأنه يستشفّ سُخرية قد تظهر على وجهي، و قال: -جئتك من مقدّمة القافلة بنبإ يقين، هلمّ معي يا شيخ فإنّي عبّدت لك الطريق -ليس قبل أن تُفصح، فإنّي لا آمن أن تجرّني معك إلى فضيحة و نواقيس! و سحبته حتى صرنا بعيد عن القوم. قال: -إني وجدت امرأة تغار ...

بعضُ خبر أبي بُشَيْلَة 2

ذات ضحًى مُكفهرٍّ كوجه عجوز خَرِف لقِيَني أبو بُشَيلةَ منحدرا من صُوّةٍ لي ناحية الجنوب. قال : - لي حاجةٌ في الرّحيل، فما عُدت أطيق هذي الجُدُر تُطبقُ على صدري و تَعْرِصُني كالتّيسِ يُخشى إفسادُه، فجهّز نفسك للطريق . سرنا لا ننَبْسِ حتى أشرفنا على الحيّ فتناهتْ إلى مسامعنا دُوّةَ السّوق و صراخ الأطفال و جلبة الطّرُق و الحوانيت و زكمتْ أنوفنا روائح الدّخان و القدور و المزابل تجتمع كلّها و تتآلف ككُبّةِ خيْطٍ ترتفعُ و تعلو ثم تتفتّح فإذا هي غلالةٌ زاهيةٌ من قُيودٍ بألوان الطّيف . قلت :   - يا أخي، إنّ لي أعمالا و أحوالا فأنظرني حتى أسْلُك، فإذا خَلُصْتُ منها خَلُصْتُ إلى الطّريق . قال "نعم"، و صوّبنا نُحاذي ما اجتمع من الدُّوّار عند أطراف البساتين، فإذا بنا أمام قومٍ ينصبون القواطين و يضربون من الطّين الطّوابين، و ذَرٌّ حفاةٌ يلهون مع الجِراء و نسوة يقدحن في الأثافيِّ للغداء . تسمّر أبو بُشيلة في مكانه و وجهه قبلة النّجْع، فنظرت فإذا هي أنثى كانت ترد الماء و عادت و في يديها الدّلاء . قلت و قد أخذ مني الغضب حتى كدت أشيط : - لا أعرفك حتى أسوّي ما عليّ . و ثَمّةَ فارق...

بعضُ خَبَرِ أبي بُشَيْلَة1

هدأت العاصفة و لم تسفر عن شيء، الغبار يتهاوى كستار هرّأت كبده الشمس فتخلّق، و بين الحين و الاخر تومض حزمة من شعاع، و في الأعلى تكاد تبين الشمس كأنها دينار من عمل الأولين طمس النّقد حروفها فهي كقرص رماه حكمٌ لقسمة ضيزى . لمحت أبا بُشيلة يتحسس خطم الناقة ثم يردّه إلى صدره فكأنما يحتضنه فهممت أسأله فإذا هو ينزع لثامه عن وجهه و يقول أمرا : -أقم مطيّتك ! ونشب واقفا كحيّة لسعها الرّمض : -زعْ ! " لئن تبعتك أخرى لأحلقنّ شاربي"! هممت أن أرميها في وجهه و لكني عدلت إلى السلامة . رحنا نخبُّ ساعة و الذّرْوُ ينثال كهباء السُّدُم على رؤسنا ثم ينكسر فيعمّي الأثر خلفنا حتى انكشف سهل أسفل ربوة كأنّها ضرسٌ خرمه السوس. أشار أبا بشيلة إليّ أن تمهّل، و كبح زمام بعيره و راح يفحص بعينيه ما يرى في حين استبق البعيران أيّهما يجترّ أكثر . في الجوار رُفقة و ماء، هلمّ نحطّ الرحال و همز البعير فهمزتُ، فرغيا كالمستبشرين فأرسلا حتى كانت خفافها تقدح ما استغلظ من حصى .     عندما بلغت المطيّتان بحبوحة السّاحة تناهى إلى السّمع نباح كلاب زاجرة فكأنّ الريح تلقيه من علٍ، و ما كانت إلا خطوة حتى أحاطت بنا...