-قف عند النهر الأصفر فإنه يذكّرني بشيء. أمرت زعيمة لواء العازبات الحوذيّ فسحب إليه في الحين شكيمة الجواد الأوّل، "شوووووش"، قال زاجرا، و هكذا حطّت المركبة آليا في مرج أخضر على ضفّة الوادي. و راحت الجياد تسرح في المرج. -ما هذا النّهر؟ -إنه من المُقطّر يا مولاتي. تلا ذلك صمت قطعه الحوذي مناديا أحدا ما: املآ الجردل و هات أكير طاسة عندك و أحضر شيئا من الثلج! و جاء غلام فاحم الشعر عليه حلّة خضراء فوضع السطل بين يدي مولاته و غرف طاسة قدّمها لها: مولاتي إكرعي أو عُبّي عبّا فما عندنا لا ينفد، حقٌّ على هذا الشّباب أن يرتوي! حين تشابكت الحواس تماما صاحت به: افتح ذاك الختم حالا! -في الحال يا مولاتي، سمّي الله و اضغطي هنا. - Ommaygo !! - Fap Fap ! - من أين لك هذا؟! -مولاتي نحن معشر الجوذيين قسمنا مع الحمير و الخيل و جاوزناهم. -آمرك فورا أن تريني كيف يعمل هذا الشيء. كان أصيلا ممتعا و الحق يفال، زاده الساقي رقّة عندما صدحت أم كلثوم "مالناش لا احنا و لا انت في الحلاوة مثيل" عبر مكبّر صوت متأرجح من على غصن دالية. عندما سكنت العصافير في أعشاشها كانت العرب...
كان الزحام شديدا، و لا أثر لرائحة العرق، بالعكس كانت تفوح أجود العطور الباريسية –إن لم تكذب حاسة الشم- و هنا و هناك مجامر ترتفع على سَوارٍ تُحرق فيها أجود أبخرة البنجاب و عُمان –أو مما شُبّه للحاضرين. بمنطق أهل الأرض الفانين كانت البطحاء تجمّعًا لقنابل من لحم و دم اصطفّت على حافتيْ الطريق. و هكذا بدت الساحة فسيفساء من الألوان و الجمال و الكمال و البهاء و الشّدى. اُستُقبلت شهيدتنا بين أترابها بالتصفيق و الصفير و التهليل، فقد سبق خبرها حضورها و علم الجمبع مأثرتها فكبرت في عيون الحاضرات. و أحطن بها يثنين على جمالها و يتلمسنها و يربّتن على مؤخرتها و يتشممنها كأنما يتبرّكن بها. و في أثناء ذلك تعرّفت على الكثيرات من بينهنّ و نشأت صداقات كان لا بدّ منها لأيام السّأم و الضجر. كانت بينهنّ فلسطينيات و سوريات و شيشانيات بيضاوات كالجبن و سمراوات يؤكلن على الشبع و زنجيات كقهوة الصباح يُشربن على الريق و حتى صفراوات كالآيس كريم. -بعد الموكب أريد الاجتماع بكنّ لأمر هام فلا تتفرّقن حتى أراكن. ما أن أتمت الجملة حتى سُمع وقع سنابك الخيل و ارتفع الصّراخ. على خيل سود تقدّمت فارسات بيض تتأرجح ...