هوى القمر خلف التلال فأبطأ الرّكبُ قليلا سَيْره، و بإشارة من قائد الرّحلة شكّلت الجِمال دائرة كثعبان يأكل ذيله و أوقِدت بعض نيران تدرأ خطر هوامّ الليل، فلمعت البطحاء و انعكس نورها في الوجوه. على الأرض تتشبّثُ الحُمّيضة لتترك للسيل طريقه فتبدو كأنّها جُزُرٌ طفَت، أتخيّلها خنقها الملح حتى ازرقّت و خضّب الشيب نواصيها. قريبا، تململت قُصيْباتٌ في أجماتها و قد تقَصّفتْ وُرَيْقاتها و صبغتها صُفْرَةُ الخريف بينما توسّد الحنظل الثرى و التحف أوراقه كأخطبوطٍ يحضنُ بيضه. برز أبو بُشيلة من خلف أرومة سمارٍ فبدا كفارس ينثُرُ كنانته و يخترق جيوش الظلام و قد أضاءت النار وجهه، ثمّ إذا به ينحني لينفض حُصيّاتٍ تسرّبت بين سُيور نعله، فصحت: -كأنّك يا أبا بُشيلَة بين سَمُرات الحيّ ناقف حنظل، أنظر تحتك ترَ بعر الماعز كأنها حبّ فلفل... نظر نحوي كأنه يستشفّ سُخرية قد تظهر على وجهي، و قال: -جئتك من مقدّمة القافلة بنبإ يقين، هلمّ معي يا شيخ فإنّي عبّدت لك الطريق -ليس قبل أن تُفصح، فإنّي لا آمن أن تجرّني معك إلى فضيحة و نواقيس! و سحبته حتى صرنا بعيد عن القوم. قال: -إني وجدت امرأة تغار ...