Accéder au contenu principal

يوميات زكرة في المسجد

و سلّم الامام و استدار ،و مسح الوجهَ و العِذارَ ،و ألقى إلى ربِّهِ الأعذارَ ،و لهجَ بالحمد و الاستغفار،حتى إذا قضى ورْده،و أتمَّ تلاوته و سَرْده،خَفَّتَ كلامه،حتى كبحَ زِمامه،ثم نظر إلى الوجوه أمامه ،و صبَّ عليهم اهتمامه ،كأنما يعُدُّالرّؤوس ،القيامَ و الجلوس ،حتى انتهى البصر ،إلى قصْعةٍ عليها خُمُر،فطارَ لُبُّهُ و تحيّر ،وأحولَّ ناظرُه و سَدَر ،ثمّ أعاد البصرَ كرّةً أخرى ،من اليمنى إلى اليُسرى ،فعرفْتُ غايته و قصْده ،و عجبتُ لسرعة رصده،فقُمتُ خلْفَ الإسطوانةِ أخْنُس،و لا أنْبُس ،فإذا أحدُ المُصلّين ،الذين هم على صلاتهم مُحافظين ،أنهى في الغفْلَةِ ركعتين ،ثمّ قام إلى جوارها ،كأنّه جارُها ،و في يدِهِ جوربان ،كقرنيْ جُلُبّان،في كلٍّ منْهما ثُقْبان،ثم اتّكأ إلى الجدار ،و ألْبسَ التي في اليسار،ثم عاد و استغْفر ،و حكّ الرأسَ و المِنْخَر ،ثم نزعها نزْعَ مُكفِّر ،ثمّ هلل وكبّر ،و طوى سرواله و شمّر ،ثم تناول الخرْقة ،و قد أخذتهُ شَرْقَة ،حتّى إذا هدأ،عاد فبدأ ،و بصره على القصعة المصون ،في خِدرِها المكنون ،وقد نصَب نفسه حارسها،و حاميها و فارِسها ،حتّى ضيّق عليه الأصحاب ،و بَكُّوهُ إلى الباب،فأتمَّ ما بدأ ،وتريّثَ و أبْطأ ،ثمّ بحث عن نعليه بين النعال ،و أدخل اليمين في الشمال ،و عيْنُه على دُرّةِ القصاع،و القلبُ من الشوق مُلْتاع،و الناسُ لم ينصرفوا بعد ،و لا طاقةعلى البُعْد،ثم غادر المعْبد ،و القلبُ مُعَلَّقٌ بالمسجد،فهمّني ما همّهُ، و غمّني ما غمّه ،و عُدْتُ أرْقُبُ الإمام ،في رُكْنه الحرام ،فإذا به يَطْرِفُ بعينيه ،ويَقْرصُ أذُنيْه ،و ينفُخُ منْخريْه ،و بصرُهُ على كهْلٍ واقع ،وجْهُهُ من الصّفْرةِ فاقع ،فشَنَّ الكهْلُ الغارَة،ما أنْ تَلقّى الإشارة ،و ألْقى على العروسِ دِثاره،ثم حملها حمْلا ،و مضى يرْمِلُ رَمْلا،فدَسَّها جوفَ المحْراب،فصارتْ بيْن الزُّخْرُفِ و القِباب ،و قدْ عُمِّيَتْ بثياب ،فكانت لطالبها السَّراب،حتّى إذا خلا المسْجِدُ و أقفر ،و غادرَ كُلّ عابدٍ و أدْبر ،قُمْتُ أتنفّل ،و ما كُنْتُ لأغْفل، و كلّي آذانٌ صاغية ،لكلّ ثاغيةٍ و راغية ،فلمّا إطمأنَّ و سكن،و ألْقى حذرهُ و ركن،حَوّلَها إلى صدرِه، كأنّما أوتيَها من وراء ظهره،ثم افتضّ منْها الغشاء ،و بسمل للعشاء ،و ألْقى فيها أنْفه،حتى قُلْتُ لقيَ حتفه ،فاذا هو يستنشِقُ عطرها ،و يقيسُ قُطْرها ،و يُحْصي ما فيها من الأعداء ،الذين حَصَرَتْهُمُ البيداء،و اشتدّتْ عليهم الأنْواء،و بَعُدَ عنهُم الفداء ،ثم وضعها بين فخذيه ،و أطبق رُكْبتيه،و أطلق النفير :الكبيرُ قبْلَ الصغير ،حاصروهم في البير ، ادلوا الدلاء ،و مزِّقوهم أشلاء ،و اقذفوهم في المغاور ،و ادفنوهم في المقابر،و اطحنوهم بالأضراس ،واقطعوا عنهم الأنفاس،و أحكموا القبضة و أحِدّوا العضّة،و ابدءوا بكلّ بضّةٍ فضّة،و أخّروا البيضة ،فعليها تتنزّلُ البركة ،و منها تكون الهلكة،فمن طعمها فليس منّي ،ومن تركها أدْنوْتُهُ منّي ،و أريْتُهُ سِنّي،وذكرْتُهُ في قصْعةٍ أخرى ،أدْسمَ و أثْرى، و أطْيَب و أمْرى،و الأفئدةُ تهوي إلى حجْرِه ،و النفوسُ تهْفو إلى قتلِه و قبْرِه،و الأيْدي تصبو إلى نحْرِه و دغْرِه.
و بينما هو في خُطْبَتِهِ العصماء ،و القوْمُ بُطونُهم خواء ،إذْ دَلَفَ أخونا الذي زُحْزِح ،و جلَسَ و تَنَحْنَح ،و فتح كفّيْهِ و لوّح،و فرْقع أصابعهُ وطَقْطَق ،و حرّكَ شِدْقَيْهِ و شَقْشَق،و تأمّلَ القَصْعَةَ و حمْلَق،و ثنى رُكْبَتيْه و توَرّك، فتسمّرَ فَلَمْ يتحرّك ،فكأنّما بِهِ جِنّة ،أو أصابتْهُ لَعْنَة،كتِمْثالٍ منْ صخْر،أو صَنَمٍ من صُفْر،فتملْمَلَ القوْمُ و تحيَّروا ،وامتقَعَتْ وُجوهُهمْ و تقَيََّروا،و همّ أحدُهم للضّرْب،و أذَّنَ للحَرْبِ ،بِلِسانٍ حَرِبٍ،لوْلا لكْزَةٌ من المُعمَّم،أنْ سَلِّمْ سَلِّمْ.
و عادَ الإمام،إلى الكلام:وَيْحَكُمْ ،أخْمَدَ الله ريحَكُمْ،هذه القصْعَةُلنا عيد،للواقفِ و القَعيد،فلا تخْتَصِموا و لا أُعيد،أو لَيُصيبَنَّكُمْ الوَعيد،ولْيَبْدَأْ كُلٌّ عنْ يَمينِه،وَلْيَحْمِ عَرينَه،و لا ينْظُرَنَّ حوْلَه،يُأْمَنْ غَوْلَه،و لا تَطيشَنَّ يَدُهُ ،فَنَرُدّهُ أوْ نَحِدَّه،ورُبَّما غَلَلْنا يَدَهُ ،و أحْكَمْنا قَيْدَه،وَلْيُطْلِقِ اليُمْنى،و لهُ ماتمنّى ،وَلْيُمْسِكِ اليُسْرى،و له البُشْرى.
هذا و صاحِبُنا ساهٍ،و في غَفْوُتِهِ مُتَناهٍ،فمالَ الإمامُ يَرْقيه،لَعَلَّهُ يُبْريه،فمرّرَ خَمْسَتَهُ أمامَ عيْنَيْه،و تَمْتَمَ بكلامٍ لايَعْنيه،ثمّ فَرَكَ أُذُنَيْه،ثُمّ انْطَلَقَ يَعُدّ،و صاحبُنا لا يَرُدّ،ثم قرّرَفقال،و اخْتَصَرَ المقال:صاحبُكُمْ عَيِِيّ،و آخِرُ الطِبِّ الكَيّ.
ثمّ جَرَّدَ كَفَّهُ و رَفَع،و أهْوى بِها و صَفَع،رُبَّ ضُرٍّ قدْنَفَع،فانتفَضَ و عطَس،و في القصعة كادَ أن يَغْطِس،لوْلا أن تدارَكَهُ الإمام،بدَفْعَةٍ من الأمام،فاستوى و غَمْغَم ،و تناولَ إصْبعَه و قَرْضَم،ثم نَظَر،ثم فكّرَ و قدّر،ثم فتحَ فاه ،حتى بَلَغَ مُنْتَهاه،و هَمّ أن يَصْرُخَ من الألم،مثل الوحوشِ البُكْم،لولا أن عاجَلَهُ الرّئيسٌ بسَهْم ،فانقَلَبَ الصّوتُ مَرْطَقَة،وما عداه هَرْطَقَة،و ما هي الا مَضْغَتَيْن،حتّى صار في البُطَيْن،ابتلَّتْ بهاالعُروق،و تفَتّقتْ في رأْسِهِ الرُّتوق،فألْقى بيدِهِ في الصُّفْرَة ،فأحْدَثَفيها حُفْرَة،ثم رفعَ كَفَّهُ إلى فيه،و رمى ما فيه،تَلَتْها كَرَّةٌأخْرى،بِكَبِدٍ حَرَّى.
فلمّا رأى القومُ فِعْلَهُ الغادر،و انْتِهاكَهُ للشَعائر،و كيْفَ حازَالسّبْق،و استأثَرَ بالنّبْق،اسْتَنْفَروا للجهاد،و انتشروا في الوهاد،كلٌّ بنَفْسِه مَعْتَدّ،لا مُدْبِرٍ و لا مُرْتَدّ.
ولمّا حَمِيَ الوطيسُ،و جَثا على رُكْبَتَيْهِ كُلُّ جليس،و تَوَهَّجَتْ في العُيُونِ الحُمْرَة....هُزِمَ الكَفَرَةُ الفَجَرَة.
ولمّا خلت السّاحَةُ من الأنام،اللهم إلاّ بعْضَ عِظام،مُصَّ بَعْضُها أوْدُقَّ،أو كُسِرَ أو شُقّ،اسْتَلْقى كُلٌّ في مكانه،و قد خرج من حلْقِهِ لِسانَه،وأحَدُهمْ قد أرْخى التّكَّة ،و يَمَّمَ شطْرَ مَكَّة،و آخَرُ عَقَدَ الواحدَ والخَمْسين،و قال إذا مِتُّ فغَسِّلونِ،ثمّ في البَياضِ فَكَقِّنونِ،و صَلّوا عليَّ أجْمَعين،ثم عَجّلو افادْفِنونِ.
و كُنْتُ لا أزالُ في الصّلاة،و قد اخْتَلَطَ الرّكعات،فما أدْري أاسْجُدُ،أمْ تُراني أقْعُدُ،أم أقومُ للقراءات،أم تُرى هيَ التحيات،فتَشَعَّبَتِ الفرائضُ في السُّنَن،و خِفْتُ الوُُقوعَ في الفتَن،فقلتُ لا فائدَةَ في التّرقيع،فقد وَقَعَ عليَّ التقْريع،فغادرْتُ في صمْت،و لمْ أنْبسْ ببِنْت.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

معنى ش ل ب في لسان أهل تونس

شَلَبيّة/شَلْبيّة، شِلْبة، شلْبَبُّو، شْلَبّة المعاجم العربية لا تذكر في هذه المادة غير مدينة شِلب الاسبانية. بينما الواقع يؤكد تداول صيغ عديدة من الجذر "ش ل ب". مدينة شِلب Silbis  أو    CILPES جنوب اسبانيا البِيتِيّة (الأندلس بلغة الشريعة).  [   بيتيّة bétique ، أشم في الاسم رائحة شيء مخفي إذا قارنا التسمية مع vetus ... تتأكد أكثر بالقاء نظرة على مدينة Salapia الايطالية  Salapia vetus ... الأمر متعلّق بأرض قرطاج ]. و لا نعلم شيئا عن الأساطير المرتبطة بمدينة شلب. أَنا لَوْلَا النَّسِيمُ والبَرْقُ والوُرْ ____ قُ وصَوْبُ الغمام ما كُنْتُ أَصْبُو ذَكَّرَتْنِي شِلْبًا وهَيْهَاتَ مِنّي____ بَعْدَمَا اسْتَحْكَمَ التَّبَاعُدُ شِلْبُ المعجم الانجليزي (رغم السقطات) يبقى أهم مرجع. إذا قارنّا بين "ش ل ب" و "س ل ب" و الأصل (السنسكريتي) الذي يقترحه المعجم الانجليزي، فإن المعنى يتّضح... sleep أي نام، ضَعُف، غفل،سُلِب الإرادة...      أخطأ المعجم في مقابلة الكلمة بـ "صُحلب" رغم أنه يعرّف saloop على أنها مشروب مخدّر أ...

مقون MAGON

من يذكر أمه أو جدّته و في يدها القرداش لا بدّ يذكر "المقّون/ مڨُّون" و هو جمع ماقونة أو مقّونة و أرجّح ماقونة و جمعها ماقون دون تضعيف حرف القاف، و الأصل هو حرف الڨG و الدليل هو عدد الناطقين به... في جبل نفوسة و شرق الجزائر (قسنطينة) يسمى المقون "قلوم"... جمع قلم أو شكل القلم. تُصرّ أمي، و قد جعلتُها تستذكر تلك الليالي، أن المقّون هو حكرا من الصوف الأبيض و ليس الملوّن أو المخلوط، و إن كانت كلّها مقونات. و هذا التفصيل الدقيق يكون تصديقا لما سيأتي و حُجّةً عليه. بعد غسل الصوف و ندفه و فرزه و تمشيطه تبدأ عملية الغزل، و مقدّمة الغزل هي القرداش و هو تلك الآلة (صورة 1) ذات الأسنان الرقيقة، و بطريقة مُعيّنة نحصل على شكلٍ مستطيل من الصوف يُطوى مباشرة بحركة من إحدى كفّتي القرداش ليتحوّل إلى لُفافة cigar أو قلم ثم يدويّا يُعطى شكل هلال أبيض بقرنين لتسهيل عملية التّطعيم أثناء الغزل (صورة2و 3). بقية المراحل لا تدخل في موضوع هذه الملاحظة. الإشارة الأولى أن اسم Magon يكاد (من المعلومات المتوفرة) يكون حكرا على الطبقة الحاكمة في الدولة و خاصة قيادة الجيش و...
ذات زمان Once upon a time كان يسكن معنا في الضيعة –كلب. له اسم و بيت و آنيتان- واحدة للطعام و أخرى للماء- و عنده رفقة و عمل قارّ و حمّام في الصيف و تلاقيح كلّما مرّ بيطريّ الحكومة. كانت الأتان رفيقته في العمل، و كانت كثيرة الشكوى و الثورة أيضا، أمّا القطّ ففوضويٌّ كسول. وجب عليّ أن أنبّه أن لا علاقة لقصّتي بابن المقفع و لا لافونتين. ذات يوم مزدحم بالأشياء، سها أحدهم فلم يحكم رباط الأتان فانطلقت متحررة من عقال المسؤوليات تنشدُ أفقا رحبا و كلأ طريا و مرتعا ذي زهر و خضرة. القطّ من مرصده الآمن فوق السّقف المشبّك بالعشب الجافّ كان يتابع المشهد بنصف عين و اكتفى بإشارة من يده أنّ الطريق سالك، ثم أطبق الجفن في حين ظلّ ذنَبُه يتثعبنُ دون جرس. ساعةَ غفلة و الكلب يحصي الخراف الثاغية و عينه على مناوشة قد تستفحل بين ديكين، و الأتان كأنها تحملها نسائم الضحى... حتى أخفاها الغياب. بعد ساعة تقريبا خرجت أمي العجوز في جولة تتفقّد الأنحاء، و حين افتقدت الأتان، نادت الكلب باسمه فجاء مرحبا: -أين الأتان يا ابن الكلب؟ و أشارت بيدها إلى المكان الخالي و الحنق يملأها و الحيرة تنهشها، و تكاد أن تنهال عليه بنع...